هل حان الفراق ؟
بدأ الشيطان يعمل عمله .. ويقول لي : سترتد عن دينها .. ستعود نصرانية .. وتعود إلى بلدك وحدك ..
وبقيت حائراً .. ماذا أفعل ؟ في هذه البلاد .. أين أذهب .. كيف أتصرف ..
النفس في هذا البلد رخيصة .. يمكنك أن تستأجر رجلاً لقتل آخر بعشرة دولارات !
أوه .. كيف لو عذبوها فدلتهم على مكاني .. فأرسلوا أحداً لقتلي في ظلمة الليل ..
أقفلت عليَّ غرفتي ..
وبقيت فيها فزعاً خائفاً حتى الصباح ..
ثم غيرت ملابسي .. وذهبت أتجسَّسالأخبار ..
أنظر إلى بيتهم عن بعد .. أرقبه .. وأتابع كل ما يحصل فيه..
لكن الباب مغلق.. ظللت أنتظر ..
وجأة .. فُتح الباب .. وخرج منه ثلاثة من الشباب .. وكهل ..
وهؤلاء الشباب هم الذين ضربوني..
يبدوا من هيأتهم .. أنهم ذاهبون إلى أعمالهم..
أُغلق الباب وأُقفل !
وبقيت أرقب .. وأترقب .. وأنظر ..
وأتمنى أن أرى وجه زوجتي .. ولكن لا فائدة ..
ظللت على هذا الحال ساعات ..
وإذا بالرجال يقدمون منعملهم ويدخلون البيت ..
تعبت .. فذهبت إلى غرفتي ..
وفياليوم الثاني .. ذهبت أترقب .. ولم أر زوجتي ..
وفي اليوم الثالث كذلك ..
يئِست من حياتها .. توقعت أنها ماتت من شدة العذاب .. أو قُتلت !
ولكن لو كانت ماتت .. فعلى الأقل سيكون هناك حركة في البيت.. سيكون هناك من يأتي للعزاء .. أو الزيارة ..
لكني عندما لم أر شيئاً غريباً .. أخذت أقنع نفسي أنها حية .. وأن اللقاء سيكون قريباً ..
اللقاء ..
وفي اليوم الرابع .. لم أصبر على الجلوس في غرفتي ..
فذهبت أرقب بيتهم من بعيد ..
فلما ذهب الشباب مع أبيهم إلى أعمالهم .. كالعادة .. وأنا أنظر وأتمنى .. فإذا بالبابيُفتح فجأة ..
وإذا بوجه زوجتي يطل من ورائه ..
وإذا بها تلتفت يمنة ويسرة ..
نظرت إلى وجهها .. فإذا به دوائر حمراء .. ولكمات زرقاء .. من كثرة الصفعات والكدمات .. وإذا لباسها مخضَّب بالدماء..
فزعت من منظرها .. ورحمتها ..
اقتربت منها مسرعاً ..
نظرت إليها أكثر .. فإذا الدماء تسيل من جروح في وجهها ..
وإذا يداها .. وقدماها .. تسيل بالدماء ..
وإذا ثيابها ممزقة .. لم يبق منها إلا خرقةبسيطة تسترها..
وإذا بأقدامها مربوطة بسلسلة !
وإذا بيديها مربوطة بسلسلة من خلفظهرها..
لما رأيتها .. بكيت .. لم أستطع أن أتمالك نفسي ..
ناديتها من بعيد ..
ثبات .. ووصايا ..
فقالت لي وهي تدافع عبراتها .. وتئن من شدة عذابها : اسمع ياخالد ..
لا تقلق عليَّ .. فأنا ثابتة على العهد ..
ووالله الذي لا إله إلا هو .. إن ماأُلاقيه الآن ..
لا يساوي شعرة مما لاقاه الصحابة والتابعون .. بل والأنبياء والمرسلون..
وأرجوك يا خالد .. لا تتدخل بيني وبين أهلي ..
واذهب الآن سريعاً .. وانتظر في الغرفة ..
إلىأن آتيك إن شاء الله ..
ولكن أكثر من الدعاء .. أكثر من قيام الليل .. أكثر من الصلاة..
ذهَبتُ من عندها .. وأنا أتقطع ألماً وحسرة عليها ..
وبقيت في غرفتي يوماً كاملاً أترقبها .. وأتمنى مجيئها ..
ومرة يوم آخر ..
وبدأ اليوم الثالث يطوي بساطه .. حتى إذا أظلم الليل ..
وإذا بباب الغرفة يُطرق عليَّ ؟
فزعت .. منبالباب ؟! من الطارق ..
أصبت بخوف شديد .. مَن الذي يأتي في منتصف الليل !!
لعل أهلها علموا بمكاني ..
لعل زوجتي اعترفت .. فجاءوا إلي لقتلي..
أصبت برعب كالموت..
لم يبق بيني وبين الموت إلا شعرة ..
أخذت أردد قائلاً : من بالباب ؟
فإذا بصوت زوجتي يقول بكل هدوء .. افتح الباب .ز أنا فلان ..
أضأت نور الغرفة .. فتحت الباب ..
دخلت علي وهي تنتفض .. على حالة رثة .. وجروح في جسدها ..
قالت لي : بسرعة .. هيا نذهب الآن !
قلت: وأنت على هذا الحال ؟
قالت : نعم.. بسرعة ..
بدأت أجمع ملابسي ..
وأقبلت هي على حقيبتها .. فغيرت ملابسها .. وأخرجَت حجاباً وعباءة احتياطية .. فلبستها ..
ثم أخذنا كل ما لدينا .. ونزلنا .. وركبنا سيارةأجرة .. ألقت المسكينة بجسدها المتهالك الجائع المعذب .. على كرسي السيارة ..